
كان واضحا منذ بداية الثورات العربية بداية العقد الماضي، أن تركيا أردوغان هي التي تدعم صعود مشروع الإسلام السياسي بتمويل قطري وفتاوى سلفية من السعودية في عهد الملك عبد الله وآلة إعلامية قوية تستذكر المسلمين بالعصر الذهبي للدولة العثمانية.
لقد اتفقت القوى الإقليمية السنية تحديدا على مشروع الإسلام السياسي باستثناء الإمارات العربية المتحدة، التي أعلنت الحرب مبكرا على جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية المتطرفة الأخرى، قبل أن تلتحق بها السعودية مع وصول الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الحكم.
لكن هذه التطورات وانقسام العالم السني مجددا، جاء بعد أن تمكنت سوريا وحلفائها من الإيرانيين والجماعات الشيعية وبغطاء حربي روسي من القضاء على تقدم قوات المعارضة المسلحة التي هبت إلى سوريا من كل حدب وصوب برعاية فتاوى الجهاد في سوريا لنصرة المسلمين.
لاحقا وجدت تركيا نفسها معزولة إلى جانب قطر التي ظلت تراهن على مشروع الإسلام السياسي، وهذا ضد السعودية والإمارات ومصر وسوريا والعراق وحتى الجزائر والمغرب لم تجدهما أنقرة إلى جانبهما.
وقد فشلت التيارات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في كل من مصر والأردن والمغرب واليمن وليبيا وتونس بتحقيق أي تعهدات أو وعود لشعوبها، بعضها انتهت قصته من خلال الانتخابات كما حدث في المغرب، بينما في دول أخرى بتمرد شعبي وعسكري كما حدث في مصر.
وهكذا انتهى مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، والذي كان يتمتع بقاعدة جماهيرية كبرى، ثم تحول مثل تيارات اليسار والشيوعية في العالم العربي إلى تيارات ذات مشاريع ومحاولات فاشلة ومؤلمة.
ويبدو واضحا أن تركيا أردوغان لم تعد تراهن على مشروع الإسلام السياسي الفاشل، لذا فقد قامت بالتطبيع مع السعودية والإمارات وكذلك ترغب في تطبيع علاقاتها مع مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقامت بتقوية علاقاتها من جديد مع إسرائيل، ووصل الأمر بها إلى الرهان على استعادة علاقاتها مع سوريا بشار الأسد.
ويبدو جليا أن الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تمر منها تركيا في السنوات الأخيرة، والخسائر الكبيرة التي تكبدتها في سوريا وليبيا وتدخلاتها في الشؤون العربية المختلفة، قد دفع الرئيس رجب طيب أردوغان ومعاونيه إلى إعادة النظر في العلاقات الخارجية التركية العربية.
من غير الممكن أن تستعيد تركيا الدولة العثمانية وعملتها تواجه انهيارا كبيرا منذ أغسطس 2018، ورغم نمو صادراتها إلا أن المقاطعة الخليجية بقيادة السعودية والإمارات قد أضرت بها على نحو كبير، إضافة إلى أن سحب الإستثمارات الخليجية من البلاد خصوصا بعد أزمة مقتل الصحافي السعود المعارض جمال خاشقجي كان مؤلما لأنقرة على نحو أكبر.
لقد تحولت علاقات تركيا الخارجية من سياسة صفر مشاكل، إلى المشاكل مع كل الدول المجاورة لها، حتى روسيا علاقتها وصل فيها التوتر إلى مداه الأكبر خصوصا مع التدخل الروسي في سوريا وحدوث مواجهات عسكرية بين البلدين بالوكالة أو حتى بشكل مباشر في مناطق عديدة، وكذلك الأمر مع ايران التي تدعم بشار الأسد وتريد القضاء على المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا.
ومع استعادة العلاقات مع دول الخليج العربي تنتظر تركيا ضخ مليارات الدولارات من الإستثمارات الخليجية، بقيادة السعودية والإمارات، فقد تعهدت أبوظبي باستثمار 10 مليارات دولار في تركيا ووافقت على مقايضة عملة بقيمة خمسة مليارات دولار، وهناك محادثات كي تعمل الرياض على إيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي.
وتريد تركيا من خلال تقاربها مع مصر وإسرائيل اضعاف دعمهما لليونان، العدو الأكبر والمنافس في شرق المتوسط على حقول الغاز، كما تود أن تكون طريقا لعبور صادرات الغاز من الشرق الأوسط إلى أوروبا التي تخلت عن روسيا.
وتعد حاليا سوريا أكبر اختبار لأردوغان، حيث يريد الرئيس بشار الأسد من تركيا الانسحاب من الأراضي السورية إضافة إلى التخلي عن دعم المعارضة السورية بتلك المناطق وهي الورقة المهمة التي تملكها أنقرة في سوريا.
في المقابل تود تركيا أن يعود الاستقرار لسوريا كي تعمل على إعادة الملايين من اللاجئين السوريين إلى بلادهم وبالتالي خفض البطالة في البلاد وكسب رضا الشعب التركي المتضايق من كثرة اللاجئين العرب في تركيا ومزاحمة الأتراك بالوظائف والسكن والمشاريع التجارية.
وتعهدت المعارضة التركية في حال نجاحها بالإنتخابات على أن ملف اللاجئين سيكون أولوياتها، كما ستحاول تعويض سوريا ماليا لتستعيد استقرارها وثمنا لتدخل النظام الحالي في الجار العربي.
ومن المنتظر أن تكون نوايا أردوغان واضحة أكثر إذا فاز بالإنتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة خلال شهر مايو، وهل لديه مشروع آخر بديل؟ هل يمكن أن يكون هذا المشروع هو اتحاد الدول التركية التي تشمل أذربيجان؟ لن يكون هذا المشروع أيضا سهلا لأن روسيا تعتبر تلك الدول جزءا من أمنها القومي، لكن موسكو الغارقة في حرب أوكرانيا قد لا تستطيع فعل الكثير لإيقاف طموح تركيا في تلك المنطقة خصوصا إذا حظي بدعم أمريكي أوروبي.
إقرأ أيضا:
اما انهيار الليرة التركية أو ستغرق تركيا في البطالة
لكل هذه الأسباب حذار من الإستثمار في تركيا 2023
لماذا تقترض مصر كثيرا وتعتمد سياسة تركيا أردوغان؟
حجم ديون تركيا الحقيقي وفقاعة النمو الإقتصادي
أسباب ارتفاع أسعار العقارات والإيجار عالميا (تركيا مثلا)
دوافع التطبيع بين سوريا الأسد وتركيا أردوغان
أهداف تركيا من التقارب مع السعودية ومصالحها الإقتصادية
تحالف تركيا مع إسرائيل: الغاز هو كلمة السر