كنا سابقا قد تطرقنا إلى قصة أزمة 2008، واليوم نتعرف معا على جواب لسؤال مهم جدا يطرحه الكثيرين وهو ما هي الخسائر التي سببتها هذه الأزمة للإقتصاد الأمريكي والعالمي والمنظومة المالية العالمية.
قد تكون من الذين يستصغرون الأزمات المالية ويرى أنها مجرد دراما إعلامية في القطاع الإقتصادي والمالي، لكن الحقيقة مختلفة تماما وهي تغير فعلا ملامح الأعمال والأنشطة التجارية العالمية وتلقي بالملايين من الناس خارج شركاتهم، ناهيك عن انهيار المؤسسات وتراجع التوظيف وتزايد البطالة ومن ثم تراجع الدخل والإستهلاك والقدرة الشرائية.
ولا يكون هذا محصورا على الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها صاحبة الإقتصاد الأول عالميا، بل نعلم جميعا أن الأزمة تنطلق من وول ستريت وتمتد لبقية العالم في سويعات قليلة.
الخسائر التي تسببت فيها الأزمة المالية العالمية 2008 للعالم كبيرة، وتؤكد لماذا هي واحدة من أقوى الأزمات عبر التاريخ إلى جانب أزمة 1929 وأيضا أزمة 1987.
في هذا المقال سنتطرق إلى الخسائر التي تكبدها الإقتصاد العالمي والنظام المالي من هذه الحادثة الموجعة والتي لا تزال تلقي بظلالها على العالم رغم تعافي الإقتصادات ومرور عشر سنوات تقريبا على اندلاعها.
-
الإقتصاد العالمي خسر نصف قيمته تقريبا
بالنسبة لشخص متخصص في الإقتصاد يعلم أن هذه العبارة مرعبة للغاية، وتعني أن الأزمة المالية التي نتحدث عنها هنا قوية وتأثيراتها جد سيئة.
أن يخسر الإقتصاد العالمي 45 في المئة من قيمته تعني أنه خسر نصف قيمته تقريبا، أي تراجع كبير إلى الوراء.
ومن المعلوم أن اكتساب الإقتصاد للمزيد من القيمة هي عملية سنوات طويلة من التعافي والنضج والنمو والرخاء وليست مسألة ساعات أو أيام أو حتى اشهر قليلة.
-
الإقتصاد الأمريكي خسر أكثر من 8 ملايين وظيفة
خلال فترة إندلاع الأزمة المالية العالمية خسر حوالي 8.7 مليون شخص أمريكي وظائفهم، وشملت مختلف القطاعات مع انهيار عدد من البنوك وترنح أخرى واندلاع أزمة الشركات الأمريكية التي خسرت قيمتها السوقية ومنها جنرال موتورز.
وأضيف هذا الرقم المهول إلى الملايين من العاطلين في العالم والذي تزايد خلال الفترة نفسها لحوالي 3 سنوات قبل أن يبدأ الإقتصاد العالمي في التعافي.
وللعلم فالأرقام الغير الحكومية تتحدث عن وصول عدد الذين خسروا وظائفهم في هذه الأزمة إلى 12.1 مليون شخص.
وحاليا خلال 2017 هناك حوالي 7.5 مليون أمريكي عاطل عن العمل، يبحثون عن فرص عمل في القطاعين العام والخاص.
-
خسائر الحكومة الأمريكية
تدخلت الحكومة الأمريكية للسيطرة على نيران الأزمة التي حولت الملايين من الأمريكيين إلى عاطلين، وقد خسرت حوالي 23 تريليون دولار.
خسائر الحكومة عبارة عن برامج إنعاش الإقتصاد والنظام المالي من خلال ضخ سيولة مالية في البورصة وشراء أسهم شركات كانت على حافة الإنهيار.
أيضا تم انقاذ عدد من البنوك من خلال تخليصها من ديونها وضخ السيولة المالية فيها لتواصل عملها، وحفزت الحكومة الإقتصاد من خلال برامج خلق فرص العمل وإعادة هيكلة الإقتصاد الأمريكي.
-
خسائر قطاع العقارات
الرهن العقاري هي واحدة من أسس أزمة 2008 فمع ارتفاع أسعار المنازل خسر القطاع حوالي 7 تريليونات دولار ونتحدث عن 7000 مليار دولار.
ومع انهيار البورصة خسر هذا القطاع حوالي 11 تريليون دولار فيما فقدت حسابات التقاعد حوالي 3.4 تريليون دولار.
-
الفقر في الولايات المتحدة الأمريكية
بطبيعة الحال فإن الأوضاع المالية السيئة انعكست سلبا على حالة المجتمع الأمريكي، وقد وصل عدد الفقراء حسب احصائيات رسمية إلى 46.2 مليون نسمة.
ويعد هذا العدد الأكبر في 52 عاما بالولايات المتحدة الأمريكية وهو عدد ليس بالهين خصوصا وأن أغلبية هؤلاء من الطبقة المتوسطة ممن فقدوا وظائفهم ونسبة منهم فقدوا أيضا منازلهم.
-
الملايين من المشردين
حوالي 11 مليون نسمة من الأمريكيين خسروا بيوتهم ومنازلهم في ظل الأزمة المالية، وقد أصبحوا مشردين بكل ما للكلمة من معنى.
أشخاص كانت لديهم منازل خاصة بهم وفقدوها بعد انفجار فقاعة الرهن العقاري، والتي تسبب في خسارة العائلات الأمريكية للمنازل بعد أن كانت تعيش حلم دفع الثمن كاملا والحصول عليها دائما.
-
ركود اقتصادي انعكس سلبا على التجارة العالمية
مباشرة تراجعت التجارة العالمية وتراجع الطلب على المنتجات والمواد الأولية، وتأثرت في السنوات الموالية الأسواق الناشئة وقد أصبحت أزمة 2008 حديث المؤتمرات الدولية خصوصا وأنها أشعل أزمة الديون الأوروبية 2009 وأدخلت العالم في موجة من شبه إفلاس الدول والحكومات.
نهاية المقال:
عندما يسمع الناس عن أزمة 2008 يعتقدون أنها مجرد ظرف محرج مر منه الإقتصاد الأمريكي ومعه العالمي بسرعة، بينما لا نزال نعيش تداعيات هذه الحادثة عالميا ولنا في أوروبا الغارقة بالديون دليل واضح على أن الإقتصاد العالمي تلقى ضربة قوية لن ينساها للأبد.
الملايين تشردوا وآخرين فقدوا أعمالهم والملايين سقطوا من الطبقة الغنية والمتوسطة نحو الفقر، لتصبح الأزمة المالية لسنة 2008 الأقوى منذ أزمة 1929.